الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

المدرس والتلاميذ

المعلم بديل للأب
يمر الطفل خلال السنوات الأولى من حياته بخبرات عدوانية بسبب ما يفرضه الوالدين عليه من قيود تكون أحياناً مصحوبة بالقسوة . هذه المشاعر التي كان الطفل يوجهها نحو الوالدين تتحول إلى أشخاص آخرين يشغلون عملاً له من طبيعته عمل الوالدين . ولهذا يجد المعلمون أنه قد تحولت إليهم نفس المواقف التي كان الطفل يقفها حيال والديه ، فنجد التلميذ الذي يكره والده بسبب قسوته عليه ، قد يجد في المدرس متنفساً لا يستطيع أن يجده في المنزل ، فتنتقل الكراهية الناشئة من قسوة الوالد إلى المعلم بحكم مابين المعلم والوالد من أوجه الشبه في عقل الطفل . وقد تنشأ كراهية التلميذ لمدرسه لأسباب أخرى منها شعور الطفل بعدم الأمن بسبب ما يحدث في الأسرة من شجار بين الوالدين أو مرض أحدهما أو تدهور اقتصادي يصيب الأسرة … الخ … كل ذلك يجعل الطفل يفقد الثقة بنفسه وبالناس وبالمدرسة وبالمدرسين ، وهنا يتخذ التلميذ من السلطة ممثلة في مدرسية هدفاً للعدوان
والواقع أن المعلم بالنسبة إلى الطفل أب في صورة جديدة ، وعواطف الطفل نحو الأب عواطف متناقضة تتضمن المحبة القوية والكراهية القوية . والطفل يميل إلى كبت الكراهية ، بل وإعلاء عناصرها بتحويلها إلى كراهية الشر والرذيلة والاعتداء . فالمدرس هدف لما قد يكون مكبوتاً من كراهية الطفل لأبيه وإذا كان سلوكه مع تلاميذه سلوك جبروت وعسف فإن هذا يشجع على تحيل شخصه بعوامل الكراهية ، بل وأكثر من ذلك فإن المدرس يملي على الأطفال طرق السلوك ومبادئ الأخلاق وفكرة الواجب ، يمزج هذه الأفكار في أنفسهم بصورة العسف والقهر . فتصبح هذه الأفكار والمبادئ نفسها محملة بآثار الصراع والكراهية ، فيخلق أطفالاً قد يعملون الواجب ولكنهم لا يحبونه ، يخلق أشخاصاً قد يكونون طيبي الخلق ولكنهم غير سعداء بطيب خلقهم ، يعملون الواجب ويتبعون الفضيلة بنفس الروح التي تجعلنا نتجرع الدواء المر والجرعة المقززة .
يجب على المعلم إذن أن يغلب جانب الحب في نفس التلميذ لكي يساعده على إعلاء نزاعته ولكي يسهل له في مستقبل حياته الهدوء والسعادة . فيجعله سعيداً بأن يعيش ، سعيداً بأن يؤدي الواجب . يجب أن يكون الأب الذي يهيء لأبنائه الصغار الجو الماسب الذي يميلون إليه . فكم من معلم محبوب أثر في تلاميذه أكبر الأثر فجعلهم يشغفون بأقل الأشياء جاذبية وأكثرها جفافاً
وهناك ناحية أخرى تبين أهمية الدور الذي يقوم به المعلمكأب بديل ، فبعض الأطفال لا يشعرون بالأبوة الحقيقية ، وهم لذلك يبحثون عن علاقات عاطفية مع شخص ما يستطيع أن يحل محل الوالدين .
وهنا يحين للمعلم فرصة مواتية لأن يقدم لهؤلاء الأطفال القلقين المضطربين ما يحتاجون إليه من عطف وأمان والغريب أن هؤلاء التلاميذ الذين يكونون في أشد الحاجة إلى محبة المعلم وعطفه واهتمامه ، هم الذين لا يمكن احتمالهم بسبب ما يصدر عنهم من سلوك شاذ ، ذلك أنهم يتباهون بأعمال الشغب والعدوان داخل حجرة الدراسة . وما هذا السلوك إلا وسائل يستسيغها التلاميذ للدفاع عن أنفسهم من جهة ، وكمظهر من مظاهر العناد والعدوان من جهة أخرى ( وهم في هذا يشبهون أولئك الذين يحملون قطعاً من الديناميت في انتظار من يلمسها ، إن هؤلاء التلاميذ يحسون أن كل شخص يمثل السلطة إنما يهدد سلامتهم أكثر من الديناميت الذين يحملونه .
المعلم قليل الخبرة بأصول الصحة النفسية ينظر إلى هذا الشغب على أنه نوع من التحدي ، ومن ثم تزيد كراهية المعلم للتلميذ . وفي بعض الحالات تتسع الدائرة حتى يصبح المعلم في موقف حرج يضطره إلى نقل التلميذ مصدر الشغب إلى فصل آخر . والحقيقة أن ( لعواطفنا أثر كبير في تشويه ما ندركه حتى قيل : بغضك الشيء يعمي ويصم . وقديماً قال الشاعر :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ……… كما أن عين السخط تبدي المساوي
إلا أن نقل التلميذ إلى فصل آخر عمل خاطئ لأنه اعتراف بضعف المعلم ، فالمدرس الناجح هو الذي يسعى لمعرفة نفسية كل تلميذ قصد مساعدته والأخذ بيده . أما االمعلم الذي يعالج العدوان الذي يقوم به التلميذ بعدوان يقوم به هو ، في شكل نقل تلميذ من فصل إلى فصل آخر ، أو توقيع عقوبات أو اصدار أوامر قصد مضايقة التلميذ ، فهذا أكبر دليل على عدم نضجه من الناحية الوجدانية والعاطفية .
و الواقع أن موقف المعلم من التلميذ شبيه بموقف الزارع من النبات . وعمله لا يتعدى تهيئة المجال للنمو والانتاج ، فالتلميذ كائن حي يولد وفيه قدرات واستعدادات وميول فطرية ، وواجب المربي الاهتمام بهذه النواحي جميعها وتعهدها ورعايتها في صبر وأناة ، وتهيئة الظروف لنموها حتى تفصح عن نفسها وتصل إلى أقصى غاياتها في جو اجتماعي سليم .
هناك ناحية ثالثة تبين أهمية الدور الذي يقوم به المعلم كأب بديل ، هناك فئة من الأطفال تشعر بالنبذ . إن الأطفال المنبوذين من والديهم يحتاجون إلى الاطمئنان العاطفي في المدرسة إذ إنهم محرومون من الأبوين الحقيقيين بالمعنى المقصود في علم النفس ، فهم لذلك يلتمسون هذه العلاقات العاطفية في أي شخص يمكن أن يأخذ دور الأبوين . إن الطفل غير المطمئن عاطفياً في حاجة أن يحظى بحب مدرسه .
بناءً على ذلك نستطيع القول إنه من أول واجبات المعلم هو أن يكسب حب التلاميذ ، وعليه أن يحاول أن يجد أشياء طيبة في كل تلميذ على حده ، وأن يعبر عن تقديره لهذه النواحي الطيبة علناً وفي كل وضوح ، وعليه كذلك أن يحاول فهم الظروف العائلية لكل تلميذ والشدائد التي يواجهها واحتياجاته في المدرسة .
ومن الخطأ أن يبدأ المعلم علاقته بالتلميذ عن طريق إظهار السلطة أو النقد أو التجاهل بل يجب على المعلم ألا ينتقد التلميذ أو يلومه ، حتى يتم الوفاق والتعارف بينهما . ذلك أن هذا الأسلوب يثير - بكل تأكيد - الخصومة ويدفع التلاميذ إلى أن يسلكوا مسلكاً عدائياً نحو المدرسة .
ومن أهم ما يعين المدرس على توثيق العلاقة بينه وبين تلاميذه خارج المدرسة اتصاله بأولياء أمورهم وعقد أواصر التفاهم بينهم والاشتراك معهم في بحث المشكلات التي تصادفهم ووسائل حلها ودراسة ملاحظات أولياء الأمور على أعمال أبنائهم التحريرية ومدى تقدمهم العلمي وخصائص سلوكهم ونواحي قوتهم وضعفهم ، وواجب المدرس أن يقوم كذلك بدور الموجه لأولياء الأمور لمعاونتهم على تربية أبنائهم ومساعدة المدرسة على تنشئتهم .
هناك عدد من الأمور يستطيع من خلالها المربي أن ينمي العلاقة بينه وبين مَن يقوم على تربيته، من هذه الأمور:
1- البشاشة والابتسامة الصادقة.
2- الكلام الطيِّب الليِّن.
3- مناداته بأحب الأسماء إليه.
4- استثمار أي عمل جيد يصدر منه للثناء عليه.
5- مشاركته في اللعب.
6- الاجتماع معه على الطعام.
7- كثرة الالتقاء به ومعايشته بصورة يومية.
8- زيارته بمنزله.
9- توثيق العلاقة مع أسرته.
10- إهداؤه الهدية المناسبة له.
11- تفقُّد أحواله والتعرف على المشكلات التي تواجهه ومساعدته في تجاوزها.
12- التعرف على حاجاته النفسية والاجتماعية والعقلية والبدنية، والعمل على إشباعها.
13- الاهتمام بميوله ومساعدته على تنميتها.
الآثار الإيجابية للعلاقة الطيبة بين المعلم والطالب
1. إقبال الطالب على دراسة المادة وتفضيلها عما سوها .
2. حب المادة ربما يدفع طالب إلى التخصص فيها دون النظر إلى مستقبل المتخصص في تلك المادة .
3. الإقتداء بمعلم تلك المادة في كل حركاته وسكتاته واتجاهاته القرائية .
4. الالتزام بكل ما يقوله المعلم والعمل على تنفيذه .
الأمور التي توجد العلاقة الإنسانية الإيجابية بين المعلم والطالب
1. المعاملة الطبية من قبل المدرس وإشعاره بأنه بمثابة ابن له .
2. المزاح الخفيف بحيث لا تهتز صورة المدرس ولا تضيع الحصة .
3. الاحترام المتبادل بين المدرس والطالب مع مراعاة ظروف الطالب ومساعدة من يستحق المساعدة من الطلاب .
4. سهولة المادة ومراعاة المدرس الفروق الفردية بين الطلاب .
5. الصدق في تقرير الدرجات مع البعد عن المحاباة .
6. رعاية مواهب الطلاب وصقلها والمساهمة في حل مشاكل الطلاب .
ويجب أن نعرف أنه كلما كان المعلم مخلصاً وحريصاً على مصلحة الطلاب كانت هناك علاقة طيبة بينهما .
وكذلك تردد ولي الأمر على المدرسة يساعد في إيجاد علاقة طيبة بين البيت والمدرسة .
دور الاختصاصي الاجتماعي في توطيد العلاقة الإنسانية في المحيط المدرسي
1. التعامل مع الجميع بطريقة بناءة أساسها الاحترام والتقدير المتبادلين وأن ينزل إلى مستواهم جميعا لفهم جميع المشاكل .
2. إشراك المعلمين والإدارية في علاج بعض المشاكل المدرسية ويعزز فيهم روح المشاركة في كل الفعاليات المدرسية .
3. رفع الروح المعنوية لدى العاملين وذلك يتحقق عندما يقف بجوار من أخفق ويشجعه ويوضح له الطريقة السليمة لعرض إمكانياته وإن الفشل أحيانا يكون هو بداية النجاح عندما يحاول الإنسان مرة أخرى في تصحيح الأخطاء التي وقع فيها .
4. تعزيز نقاط القوة لدى بعض العاملين للاستفادة من عملية المنافسة الشريفة في ميدان العلم
5. الاستفادة من اللقاءات والمناسبات في دعم العلاقات الفردية الإنسانية التي سيكون لها الأثر الكبير على العلاقات الإنسانية في المدرسة .
6. بناء قاعدة قوية بينه وبين العاملين ينطلق منها إلى ما هو أكثر فائدة وتجانس أساسها تلافي جوانب القصور وإنكار الذات .
7. استقبال المعلمين الجدد وتذليل العقبات التي تعترض استقرارهم والترحيب بهم وبسط المشاعر النبيلة أمامهم وإشعارهم بالثقة والاطمئنان وتدبير احتياجات معيشتهم .
8. الاهتمام بمشروع صندوق التكافل للمعلمين باعتباره من أهم المشروعات التي بها فائدة للمعلمين .
9. الحرص على توطيد العلاقات بين المعلمين بعضهم البعض وكذلك بينهم وبين أعضاء الهيئة الإدارية وذلك بالمشاركة في المناسبات السعيدة وغير السعيدة .
المراجع:
1. مصطفى فهمي ، الصحة النفسية دراسات في سيكولوجية التكيف ، 1992،
2. محمد رفعت رمضان ، وآخرون ، أصول التربية وعلم النفس ، 1998.
3. أحمد عزت راجح ، أصول علم النفس ، الطبعة التاسعة ( القاهرة : المكتب المصري الحديث ، 1973م )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق